









العروبة الوطنية ومسألة الهوية في العراق ١ - ٣
عدنان شاكر
قومية متهمة: بعد غزو العراق واحتلاله ، كثر عدد الجلادين للفكر العروبي ، وأصبحت السهام الموجهة لهذا الفكر تأتي من كل إتجاه ، وكأن العروبة هي المسؤولة عن كل الذي حدث ، فحق عليها الرجم حتى الموت !! في حين كان من المفترض حصول العكس ، خصوصًا بعد أن بدأ الفكر الأممي المادي يترنح في الشرق السوفييتي لتخرج من بين أنقاضه قوميات عريقة عجز الفكر الشيوعي الماركسي عن طمسها رغم محاولات وأدها أكثر من مرة وفي أكثر من مكان . كما كان مطلع التسعينات من القرن الماضي تتويجا لمراحل الوحدة الأوربية التي ضمت في ظلالها أكثر من قومية ولغة وتراث ودين ، بل ذكريات حافلة بالصراعات والدم والحروب ، لكن المصلحة الأوربية المشتركة في الوحدة تغلبت على كل هذه التباينات والفروقات . فما رأيناه إذا كان حملة ظالمة بحق الفكر العروبي ، إذ كيف يستحق وحده دون سائر التيارات القومية الأخرى في العالم ، هذا الإفتراء وذاك الرجم والعقاب ؟!
الذاكرة العراقية لا تزال طرية عندما تبنت أحزاب الاحتلال ( الحزبان الكرديان الرئيسيان والاحزاب الدينية الشيعية والحزب الإسلامي السني ) مشروع طَمْس هوية العراق العربي ، وكيف جرى تفصيص البدن العراقي الى " شيعة وأكراد وعرب سنة " ، في سياق دجل سياسي مفضوح ، وتخادم إعلامي وضيع ، وكأن شيعة العراق ليسوا بعرب ولا أصل قومي لهم ، في حين يشكل الشيعة النسبة الأكبر لعرب العراق والرائز الأقوى تاريخيًا لعروبته . هذا التفصيص أو التخادم الذي يمزق عرب العراق يخدم مصالح الجماعات الكردية في الإنفصال ، ويخدم كذلك مصالح الحزب الإسلامي الأخواني لبسط نفوذه الطائفي على المحافظات السنية ، كما يخدم أيضًا مصالح الاحزاب الدينية الشيعية لتمرير مشروعها الطائفي الولائي . لكن فات أحزاب الاحتلال جميعًا ، إن للشعب العراقي رأي وموقف آخر ، وإن غزو العراق وسقوط بغداد ، ليس قفلاً للتاريخ يَجُبُّ ما قَبلَه ويَمنَعُّ ما بَعْدَه . فشيعة وسنة ومسيحيي ويهود وصابئة العراق يدركون جيدا أن العروبة لم تكن نتاجًا تاريخيًا أو حزبيًا أو فئويًا وإنما هي قَدَرَهُّم الوجودي المُحَبَّبْ في الحياة . لذا يبقى توحد العراقيين العرب مصدر قوة ودعم لوحدة العراق ، كما يمثل مفهوم العروبة كهوية ثقافية وحضارية لعموم العراقيين عامل ثراء كبير للهوية الوطنية العراقية .
نحن إذًا نحتاج إلى إطروحة فكرية مغايرة تفصل بين الوطنية والقطرية المغلقة ، كما تفصل بين العروبة كهوية إنتماء ثقافي وحضاري وبين المسائل القومية الفكرية ذات السمة الأيديولوجية العنصرية . وإن مثل هذه الإطروحة ينبغي أن تنطلق دوما من الخصوصيات الوطنية للعراق ، وذلك باعتماد البناء الديمقراطي السليم للتعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد ، وتحريم أسلوب العنف السياسي.

