مستقبل العراق: بين الاحتجاجات والضياع
كتبه: د. مُثــنـى الجــنـابي
الاحتجاجات الأخيرة في العراق تحمل في طياتها وتفصيلاتها أكثر من الاحتجاجات والمظاهرات المعتادة، فهي تحمل ما تقدمه لنا حكومتنا من مشروع قد يكون عفوياً و(أشك في ذلك)، وتحمل أيضاً ما يمكن تسميته بالثأر الدفين !! ثم كلي يقين بذلك أيضاً.
أحد أكبر مشكلات العراق التاريخية تتمثل في ظن البعض أنهم أصحاب الحل والعقد، وأن ما يرونه هو الصواب، هي ذاتها العقلية التي أنتجت كل أشكال الاستحواذ ورفض الآخر، هي نفسها من أشارت لنفسها بالتماسك ولغيرها الانفراط.
حقيقة الأمر أن العراق منفرط حاليا، يجمعه فقط الأسم وبقايا جغرافية، وقليل عمل لجمع شتاته، يجمعه ربما قول الحق الذي لم ينتزع حقاً، وإدبار لحظة المواجهة، العرا ق الآن في أدنى درجات ما يمكن تعريفه بدولة، ورغم التاريخ علينا الاعتراف أن الفشل في حفاظنا على إرث ما لا يجب أن نتجاوزه قفزاً للافتخار بماض كنّا فيه أصحاب باع، فالتاريخ ؛ إن لم يعينك على كتابة الحاضر تأكد أنه غير حقيقي، أو أنك لست من الجديرين بحكايته.
هذا الوطن مليء بالكفاءات، تجوب بقاع الأرض تبني وتغرس، تدير وتؤسس، ثم هناك في الوطن الأم وفِي الديار الأب نتحرك فقط للخلف.
لا مجد ولا أيقونة جعلت من صباحاتنا أملا، ولا مشروع ترك خلف خطوتنا يقينا، وإن تساءلتم عّن الأسباب فلا يمكن إجمالها، المشكلات تحتاج للعمل قبل الأمل وتحتاج للحل قبل التفكير بفردانية الحل، ثم «لا خل وفِي» في السياسة ولا حل خفي في مصلحة الأوطان، تبنى بسواعد أبنائها وتهدر بغفلة عاجزيها.
الصورة أدناه بها أبناء (الفقراء من دون السادة)، ليس من بينهم مجرم كما يظنون، ثم هكذا يظنون، وبين إحلال وإبدال الأنظمة، ظهر أيضاً أبناء الحاكمين الجدد، على واجهة الصحف، وعلى فضائياتها تربعت أخبارهم، ربما لن يسمع بهم أحد إن كان الحال ليس الحال، ربما لن تتعدى سيرتهم أخبار الصحافة الصفراء في بذخهم وعدم تقييمهم للحال والمآل، أما أن تكون سيرتهم في جانب إعمار الارض وميادين القتال فتلك ليست معضلة وفقط، تلك الهزيمة بذاتها.
تعودنا من الانتهازيين وأنصاف المواهب تصدر صفحات الغيبوبة، لن يدهشنا علو نجم أحدهم أو إحداهن، ولكن التاريخ أيضاً أنبأنا أن مردهم مزابل النسيان، وتواريخ الاندثار، الخطير في الصورة أدناه أن محاولات كتابة تأريخ هذا الوطن مرتبطة بتناسل مصالح بعينها وأسر بذاتها تود توريث مصير شعبنا لمن لا ينتمون له، لمن انتمى لكيفية وجوده في مستقبل الحكم قبل دراسته حال من يحكمهم، لمن اجتهد في إيجاد موطئ قدم دون النظر لمستقبل المؤمنين بسيادة قيم الحق والحريّة والحياة.
لك يا وطني ما يعتمر في نفوس كادحيك ومُهجريك، لك يا وطني ما تستحق من حرية وإباء، لك الجلوس لرفع مقامك والوقوف لتعزير مكانتك، وللضالين عن يقينك دورة، لن تستمر كثيرا في تواريخ العشم، لك الإيناع ولهم البوّار، لك الدرب (المستقيم) ولهم التشدق بنشوة اللحظة.
هذا الوطن باقٍ لمن أنجبتهم المظالم، لمن حركتهم بواقي الرمق، لمن جعل ليلهم اشتهاءات الصباح ولو بعد حين، هذا الوطن ملك العقول التي يمكنها جعل الخراب عمار، وجعل القحط اكتفاء، أما أصحاب المسميات الرفيعة والمسميات المستحدثة فالتاريخ لم يحفظ سوى سيرة الذين جعلوا الآخرين مقدمين على ذاتهم، إنظروا جيدا للكتب التي لم تقرأونها، ستجدون مانديلا، ستجدون غاندي، ومهاتير محمد،ثم التاريخ جعل من مناهضي الظلم (أيقونات)، وجعل من مناصري الظلم ذاته حكايات في مسيرة الشعوب، حين وطأت كل صاحب مصلحة ذاتية أمام التحرر من القيد، ثم الشعوب الحيّة من تمتلك الحلم، وبالتالي الشعوب نفسها من تحدد الفارق بين حكومة الطالح وحكومة الصالح، ودون شك الخيار دوما ينحاز للحياة، والموت رديف الذين بلا فكرة وبلا رؤيا).
سينتج وطننا الحر، منتميات للحياة والبرزخ، ستنتج أفعالا لا أقوالا تمجد البقاء على أساس الإنجاز، حينها سيكون الوطن وطنا وما دونه غثاء.