عن الحرب الكلامية بين السعودية وإيران
تحليل "القدس العربي"
شن علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية أمس هجوماً كلاميّاً عنيفاً على العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية واصفاً إياها بـ«الشجرة الخبيثة الملعونة» ومعتبراً أنها «لا تستحق إدارة الأراضي المقدسة».
الهجوم جاء على خلفية عدم مشاركة الإيرانيين في أداء فريضة الحج لعدم توصل الجانبين في أيار/مايو الماضي للاتفاق على تدابير السلامة والإجراءات اللوجستية وذلك بعد الكارثة التي حصدت أرواح 464 حاجّاً إيرانياً من أصل 769 حاجّاً لقوا حتفهم في حادث تدافع في منى العام الماضي.
وكان خامنئي قد شن هجوماً آخر قبل أيّام طالب خلاله بإدارة دولية لشعائر الحج ووصف فيه السلطات السعودية بـ«قتلة الحجاج» معتبراً أن حكامها «لا يعرفون الله ولا دين لهم».
من السعودية جاء ردّ لا يقل قساوة على أوصاف واتهامات خامنئي وذلك على لسان المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي قال إن حكام إيران «ليسوا مسلمين فهم أبناء المجوس وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم وتحديداً مع أهل السنّة والجماعة».
التراشق الكلامي لم يقتصر على الزعماء الدينيين فقد تدخّل رئيس الجمهورية حسن روحاني بدوره ولكن تركيزه كان على موضوع «وضع العقبات أمام الحجاج»، وزعمه أن الرياض «تدعم الإرهاب» و«تقوم بإراقة دماء المسلمين في العراق وسوريا واليمن»، أما وزير خارجيته محمد جواد ظريف فانغمس في مسائل التفاضل بين الشيعة والسنة فقال إن «ليس هناك وجه شبه بين إسلام الإيرانيين» و«التطرّف المتعصب الذي يدعو إليه كبار علماء الوهابية وأساطين الإرهاب السعودي»، في انحراف غير متوقع من كبير الدبلوماسية الإيرانية من السياسيّ إلى الدينيّ والمذهبيّ.
وبموازاة الدعوة الإيرانية لتدويل الأراضي المقدسة، الذي اعتبرته السعودية ودول الخليج في بيان رسمي «تحريضاً مكشوف الأهداف» و«تسييساً للشعيرة الإسلامية العظمى»، استخدمت طهران جماعاتها السياسية في لبنان واليمن لـ«تشييع» نزاعها المتأجج مع السعودية من خلال منع «حزب الله» و«الحوثيين» أتباعهما من المشاركة في طقس الحجّ هذا العام.
الخلاف السعوديّ الإيراني حول الحجّ قديم ويرتبط بشعار «البراءة من المشركين» الذي ألزم به الزعيم الدينيّ الإيراني الراحل آية الخميني أتباعه من حجاج بيت الله الحرام بممارسته من خلال مسيرات أو مظاهرات كانت ترافقها، في أغلب الأحيان، هتافات سياسية المطلوب منها إعطاء الفريضة الدينية التقليدية طابعا سياسياً ومذهبيّاً، الأمر الذي أثار إشكالات عديدة بين السلطات السعودية والإيرانية على مدار السنين.
كانت كارثة العام الماضي التي أدّت لمقتل عدد كبير من الحجاج نقطة الذروة التي أحرجت السلطات السعودية أيّما إحراج وجعلتها تراجع أساليب إدارتها لطقوس الحج بحيث تضمن بقاء حياة الحجّاج وسير الشعائر المقدسة في مأمن من أي مخاطر، ولكن الكارثة، من جهة أخرى، وبسبب العدد الكبير من القتلى الإيرانيين، رفعت سقف المطالب الإيرانية وراكمت منسوب الغضب بدل أن تخفضه.
مطالب إيران بـ«التدويل» تتعرّض مباشرة لسيادة المملكة وهو أمر لا يمكن القبول به في الظروف الطبيعية بين الدول فما بالك والبلدان في حالة مجابهة عسكرية إقليمية كبيرة في اليمن وسوريا، وفي نزاع مع أتباع طهران في العراق ولبنان والبحرين بل وداخل السعودية نفسها؟
من حق الإيرانيين وغير الإيرانيين، بالتأكيد، أداء فريضة الحجّ، وما كان حكام الأراضي الإسلامية المقدسة على مدار القرون يرفضون ذلك، وهو أمر ينطبق على السلطات الحالية في المملكة التي كانت تستقبل الإيرانيين قبل الثورة الإيرانية وبعدها، ولكن من حق السلطات في السعودية أيضاً ضمان أمن الحجيج، بمن فيهم الإيرانيون، وعليهم، مثل غيرهم الالتزام بقوانين المملكة وطقوس الحج الدينية.
أما الكلام الصادر من الجانبين فهو تعبير يتجاوز الغضب إلى الإساءة للشعوب نفسها وليس الحكام فحسب.