من نحن   |   اتصل بنا   |  
مقالات اليوم
حجم الخط :
عدد القراءات:
8729
24-04-2014 10:06 PM

العراق: خيار التحالف المدني




عمار السواد

فاجئني شباب في المنطقة التي أسكن فيها بالسؤال عن التحالف المدني، أحدهم سألني: "يگولون هاي خوش قائمة وبيها ناس نزيهين"، وقال إنه عرف بالتحالف الوطني عبر أصدقائه ومن خلال صفحات الفيسبوك، لكنه متردد في انتخاب القائمة.

خيارات هؤلاء الشبان لم تحسم بعد، ربما سيقع اختيارهم على قوائم سنية أو شيعية بفعل القلق الطائفي المستمر، او سيصوتون لقوائم أخرى تقودها شخصيات "كارزمية" معروفة، الا أن مجرد السؤال يعد تطورا، فعادة ما اشتغلت القوى المدنية او العلمانية على النخب اضافة الى قواعدها الحزبية، اما اليوم فان الدائرة تتسع.

الفشل المتراكم والمزمن للحاكمين عامل مؤثر في بحث الناخب عن بدائل، الشباب، خصوصا في بغداد، بفعل حضورهم الطاغي في النيو ميديا باتوا على تماس مع اغلب القوائم، ما يتيح لهم ملامسة اختلاف خطاب القوى المدنية عن الدينية والطائفية والزعامات "العلمانية" التقليدية المتنافسة على الناخبين، لهذا ان الحديث عن وجود متغير صحيح، ليس بالضرورة سيكون جذريا وينعكس على ثوابت الخريطة السياسية، ولا يؤدي الى حصول تلك القوى او التحالف المدني على نتائج مبهرة، المتغير يكمن في أن جزءا من العراقيين أصبحوا على دراية بأن هناك منافسين يقدمون خطابا مُرضياً.

خلال الدورات الماضية رُهنت العملية السياسية بالخيارات المتشابهة، الكبار بما في ذلك القوائم او الزعامات غير المحسوبة على الإسلاميين، يمكن ان ينخرطوا في أي صفقة من أجل الحكم والوصول للكرسي، وغاب البديل الذي لا تقف خلفه دول إقليمية وأجندات إيرانية، قطرية، سعودية وتركية... الأقوياء كافة استخدموا المال الخارجي او الدعم الإقليمي للبقاء في المشهد. لهذا ان وجود جهات فاعلة لا ترتبط بتلك الاجندات يمكن ان يلفت الناخب.

بالتأكيد ان بعض الشخصيات في التحالف المدني ليست ممثلة فعلية لخطابه وبرنامجه وتبحث عن مكان في السلطة، ودخلت إليه من أجل ان تعيد انتاج نفسها لتركب موجة التغيير، غير أن هذا امر طبيعي في تيار تشكل في زمن قصير، ويمكن ان يعالج مثل هذه المشكلات في السنوات المقبلة، خصوصا وانه يتضمن في المقابل شخصيات تعتمد على البرامج ولا يبدو عليها الاهتمام بالمكاسب الشخصية.

فللشخوص دور في تحديد المسارات وفي بناء التيارات والأحزاب، وهنا يمكن الإشارة الى شخصيتين في التيار المدني يقومان بدور إيجابي، وربما سيخلقان فرقاً إذا ما سنحت الفرصة. جاسم الحلفي القيادي الشيوعي وأحد بناة التحالف المدني، خطا خطوات شجاعة منذ تظاهرات الخامس والعشرين من شباط عام 2011، لم تكن تهريجا ولا انفعالا ومجرد ردود فعل، بل عمل منظم وتواصل إيجابي مع النخب المثقفة ومؤسسات المجتمع المدني وشباب الاحتجاجات. وأيضا حسين درويش العادلي الذي خرج من دائرة الإسلام السياسي بعد 2003 وبات يتحدث عن فصل الدين عن الدولة كعلماني، ولم ينخرط في مشاريع أصحاب المكاسب رغم انه امتلك الفرصة لذلك. الأول يقدم مثالا للعلمانيين النشطين، والآخر نموذج للمتدين المدني الذي لا يؤمن بتطبيق الشريعة ولا ثوابتها.

وأمام التيار كتحالف سياسي وليس كأفراد فقط، مهمة شاقة في المرحلة المقبلة، سواء حقق نتائج في الانتخابات ام لم يحقق، هذه المهمة تكمن في الاستمرار بطرح النموذج وتقديم الخطاب المختلف والعمل عليه بين شرائح المجتمع كلها. وفي حال دخل مجلس النواب، ان يكون موقفه صريحا من أي حكومة. فمن غير المتوقع ان تكون الاتفاقات أفضل مما حصل في اتفاق أربيل سيء الصيت، فمن أوصل المالكي إلى الحكم هم أنفسهم سيوصلون غيره، وخلافهم مع زعيم دولة القانون ليس حول الدولة ومن أجل الديمقراطية، بل هو صراع نفوذ.

لذلك ان الوضوح مهم جدا، وهو من أهم ما افتقرت اليه القوى المدنية والعلمانية المعارضة للمتحاصصين طائفيا وقوميا، فطالما أمسكت العصا من المنتصف، وطالما خففت خطابها النقدي. الا أن تظاهرات شباط 2011 أعطت دفعة من الصراحة لدى بعض الشخصيات المدنية والعلمانية، لكن هذا لا يكفي، فالحاجة ماسة لتسمية الأشياء بأسمائها وعدم الاكتفاء بالمقولات العائمة التي يستخدمها الجميع، بالطبع هذا ليس دعوة للتهريج، بل للصراحة والمكاشفة وعدم التردد في تحديد الأخطاء واسبابها، وان استدعي الأمر تسمية المسؤولين المباشرين عنها.

مواجهة الخراب لن يكون عبر الأطر النظرية، بل بالمباشرة والمعارضة الصريحة غير الملتبسة.

ما فشل فيه الجميع هو المعارضة، العملية السياسية ظلت أسيرة معارضين وهم شركاء في السلطة، او معارضين طائفيين يدعون للعنف ويحرضون على الخراب، أو معارضين مدنيين يكتفون بمواقف نظرية عائمة. وحان الوقت للقسم الثالث أن يغير المنهج والأدوات، ولا يقتصر على المضامين الحسنة، والنوايا الطيبة.

يقول أحد قيادات التيار المدني، ان الانخراط في الحراك المدني الشعبي خيار دائم، هذا مهم لكنه مشروط باتخاذ خطوات فعلية تحت قبة مجلس النواب، خطوات لا تقتصر على التصويت ضد أو مع، بل برفع الصوت الذي يجعل الشارع على اطلاع دائما بما يجري، ليس على طريقة نواب هذه الدورة مزدوجة المعايير والعوراء.

وهنا لابد من إشارة الى أن العلاقة التاريخية بين كردستان والحزب الشيوعي يجب ان لا تكون سببا قي الاصطفاف مع التحالف الكردستاني تحالفاً أو تصويتاً او مواقفاً، وان تتخذ مواقف صريحة في حال وجود خلل، ولا تقتصر المواقف على معارضة القوى الشيعية والسنية.

مستقبل بناء دولة مدنية بديمقراطية ليبرالية رهن بخطوات القوى التي تريد تحقيق هذه الدولة، الأخطاء تؤخر استثمار فرص فشل الطائفيين والقوميين والفئويين والدكتاتوريين، وخذلان الآمال التي تبنى اليوم على التغيير، سيكون ثمنه سقوط التحالف المدني، فماذا سيختار؟



اضف تعليق
اضف تعليقك
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم:
البريد الالكتروني: اظهار البريد الالكتروني
التفاصيل: