من نحن   |   اتصل بنا   |  
مقالات اليوم
حجم الخط :
عدد القراءات:
8340
24-04-2014 10:01 PM

الانتخابات العراقية بين الطائفية والإرهاب





احمد سيد احمد
يعيش العراق منذ الغزو الأمريكى وسقوط نظام صدام حسين تحت مطرقة الطائفية وسندان الإرهاب, ودوامة العنف المستعرة, فهل تنجح الانتخابات البرلمانية نهاية هذا الشهر فى تصحيح الخلل فى العملية السياسية وتحقيق الأمن والاستقرار أم تكون امتدادا لمثيلاتها السابقة؟


باستثناء زيادة عدد المرشحين لمجلس النواب العراقى إلى تسعة آلاف مقارنة بستة آلاف مرشح عام 2010 ومشاركة المرأة البارزة التى تصل إلى ربع عدد المرشحين, وهو ما يعكس زيادة انخراط السنة والمرأة فى العملية السياسية, فإن الانتخابات القادمة لن تختلف كثيرا عن الانتخابات السابقة, أولا: أنها تتم فى البيئة السياسية ذاتها التى كان سببا فى تعقد واستمرار الأزمة العراقية, وهى الطائفية الدينية التى تجاوزت التنافس السياسى السلمى إلى الصراع المسلح.


وثانيا: هو استمرار الخريطة السياسية ذاتها حيث النخبة السياسية نفسها وسيطرة الكتل الحزبية نفسها التى تتبنى برامج طائفية وقبلية وجهوية, وتقيم ائتلافاتها على أسس طائفية مما كرس العملية السياسية المختلة, ومن بين أكثر من 107 كيانات وائتلافات سياسية تتنافس على عدد مقاعد مجلس النواب الـ 328 هناك ثلاث كتل أساسية لديها القدرة على المنافسة وتشكيل الحكومة, وهى ائتلاف دولة القانون برئاسة رئيس الوزراء نور المالكي, والقائمة العراقية برئاسة إياد علاوي, وهما ذوا أغلبية شيعية, وكتلة الاتحاد التى تضم ائتلاف متحدون برئاسة أسامة النجيفى رئيس مجلس النواب, والعراقية العربية برئاسة صالح المطلك, وهى ذات أغلبية سنية.


وثالثا: استمرار الدور الإيرانى فى التحكم فى العملية السياسية عبر دعم المالكى وكتلته الشيعية سياسيا وماديا لضمان سيطرة الشيعة وتهميش السنة بما يتيح استمرار النفوذ الإيرانى وشبكة التحالفات مع حلفائها العراقيين, والتى زادت بعد الانسحاب الأمريكي, وغياب الدور العربى مما أوجد فراغا كبيرا ملأته طهران. ورابعا: تأتى الانتخابات فى ظل استمرار المعارك الضارية بين قوات الجيش العراقى والعشائر فى محافظتى الأنبار وديالى مما يهدد بصعوبة إجراء الانتخابات فيهما, إضافة إلى تزايد احتمال مقاطعة السنة للعملية الانتخابية, وبالتالى مادامت مدخلات العملية السياسية مستمرة, حيث الارتكاز على تكريس الطائفية وبيئة العنف, فإن مخرجات الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون أيضا كما كانت فى السابق, ولا يتوقع حدوث تغيير جذرى فى شكل الخريطة السياسية, فبرغم الانتقادات المتعددة من جانب بعض الشخصيات المعروفة مثل مقتدى الصدر وعلاوي, للمالكى واتهامه بممارسته الديكتاتورية وتوظيف موارد وإمكانات الدولة لدعم ائتلافه, فإن فرص المالكى فى الفوز بولاية ثالثة تبدو كبيرة خاصة فى ظل ضعف وانقسام الكتل السياسية الأخري, ومساعى المالكى للقضاء على خصومه السياسيين، وتوجيه تهم الفساد والإرهاب لهم, ومحاولاته توظيف ورقة الإرهاب وخطر تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام لكسب تأييد المواطن الذى يبحث عن الأمن, وكسب تأييد الولايات المتحدة والغرب, وكذلك يسعى لمحاربة الإرهاب, وتدفعه هذه المساعى للتغاضى عن الاعتبارات الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان.


معضلة العراق الحقيقية أن الديمقراطية فيه شكلية وهشة تقوم على الطائفية, حيث تجرى فيها انتخابات برلمانية ومحلية ويتنافس فيها عشرات الأحزاب والتكتلات السياسية, لكنها تفتقد إلى قيم الديمقراطية الحقيقية التى ترتكز على التسامح والتعايش بين الاختلافات, ومبدأ المواطنة الذى يساوى بين جميع المواطنين فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والدينية والطائفية, كما أنها تعتمد على نظرية المباراة الصفرية التى يسعى فيها كل طرف تحقيق مصالحه ومكتسباته وإقصاء الآخرين, وهذا الخلل فى العملية السياسية أسهم فى نشوء بيئة العنف بين الشيعة والسنة وعمليات التهجير القسرى التى شهدتها بغداد والمدن الأخري, كما سمح للتيارات الإرهابية المتشددة كداعش بالتمدد والتغلغل فى العراق, وكذلك تنامى أدوار القوى الخارجية, وعلى رأسها إيران, فى دعم هذا الطرف أو ذاك, والمحصلة النهائية هى تهديد وحدة واستقرار العراق وتعرضه للتفتيت, واستمرار العنف والتفجيرات التى زادت بشكل غير مسبوق بعد أن تراجعت فى السنوات السابقة, والأخطر من كل ذلك تعثر البلاد فى تحقيق التنمية والتقدم والاستقرار السياسى والأمني, وانتشار الفقر والبطالة والفساد, برغم الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة التى يمتلكها العراق وترشحه لصفوف الدولة المتقدمة.


مخرج العراق من أزمته ومأزقه لن يتحقق إلا بتصحيح العملية السياسية وانتهاء الطائفية وإقامة ديمقراطية تعددية حقيقية, وبوجود نخبة سياسية وحزبية وطنية تقدم برامج انتخابية وخطابا سياسيا قوميا يبتعد عن الطائفية وينبذ الكراهية والانتقام, ويقدم حلولا لمعالجة مشكلات البلاد السياسية والاقتصادية ويدفع التنمية الحقيقية وتوظيف موارد البلاد, ويسعى لتوحيد صفوف العراقيين, من شيعة وسنة وأكراد, فى التعاون المشترك للنهوض ببلدهم, والحفاظ على وحدته واستقراره ووقف كل أشكال التدخل الخارجى ومحاربة الإرهاب, وبدون ذلك فإن الانتخابات البرلمانية ستتحول للغم آخر يضاف لألغام المشهد العراقى الذى سيظل يرزح تحت مطرقة الإرهاب وسندان الطائفية.



اضف تعليق
اضف تعليقك
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم:
البريد الالكتروني: اظهار البريد الالكتروني
التفاصيل: