من نحن   |   اتصل بنا   |  
مقالات اليوم
حجم الخط :
عدد القراءات:
9361
24-04-2014 09:08 PM

الصراع على مستقبل العراق






غربيون كثر أدلوا بدلوهم وقدموا قراءاتهم حول تقدم بناء الدولة في العراق بعد الغزو الأميركي لهذا البلد عام 2003 ثم انسحاب القوات الأميركية منه بعد ذلك. لكن كتباً قليلة تصدت لهذا الموضوع من قبل كتاب عراقيين. هذا الفراغ يملؤه كتاب «الصراع على مستقبل العراق.. كيف أضعف الفسادُ وانعدامُ الكفاءةِ والطائفيةُ الديمقراطيةَ»؛ وفيه يقدم زيد العلي، وهو محام عراقي ومتخصص في مجال القانون الدستوري المقارن، رؤيته حول العراق وحكومته والمشاكل المستفحلة التي تتخبط فيها بلاد الرافدين.

لكن الصورة التي يرسمها العلي قاتمة: تفجيرات قاتلة، وطائفية بغيضة، وفساد حكومي مستشر.. كلها عوامل تضافرت لتحول دون تحقيق تقدم بشأن مواضيع أساسية مثل توفير الأمن والرعاية الصحية والتيار الكهربائي للمواطنين. وفي هذا السياق، يقول العلي إن التدخل الأميركي الذي لم يجرِ التخطيط له على نحو جيد، دمّر الدولة العراقية، وهو ما خلق ثقباً أسود هيمن عليه أعضاء النخبة الفاسدون والمفتقرون للكفاءة. لكن مع ذلك، ورغم كل الجهود الرامية إلى تقسيمهم، فإن العراقيين مازالوا يحافظون على حس الهوية الوطنية، كما يؤكد المؤلف الذي يعيد تقييم علاقة العراق مع نفسه، ويناقش الإلهام الذي وفرته أحداث «الربيع العربي»، ويعيد تحديد أهم صراع بالنسبة للعراق اليوم.

العلي، الذي كان والده دبلوماسياً عراقياً، عاد إلى العراق كمستشار قانوني للأمم المتحدة خلال الاحتلال الأميركي؛ غير أن كل محاولاته الرامية لإصلاح عراق ما بعد صدام منيت بالفشل. ويعد كتابه هذا بمثابة مرثية للعراق، يوجه فيها سهام نقده للنخب العائدة من الخارج التي باتت تمسك بزمام السطة اليوم، مثل رئيس الوزراء نوري المالكي، حيث يحمّلها، إلى جانب بول بريمر، الذي شغل منصب رئيس «سلطة الائتلاف المؤقتة» التي قادتها الولايات المتحدة عامي 2003 و2004، مسؤولية دفع العراق إلى الطائفية والمناطقية.
ويصف العلي كيف أنه حتى بعد أن اكتُشف عيب معدات بريطانية للكشف عن المتفجرات كانت تُستعمل على نطاق واسع، وتبين أنها مزيفة وغير فعالة، رفض المالكي الاعتراف بذلك، في ازدراء للحقيقة ولعدد غير معروف من الأرواح العراقية التي تعذر إنقاذها بسبب ما يعتري تلك المعدات من عيوب.

والواقع أن جزءاً كبيراً من هذا الكتاب يمكن أن يُقرأ كهجوم على المالكي، الذي يتحمل -حسب المؤلف- النصيب الأكبر من المسؤولية عن الفوضى العارمة التي يتخبط فيها العراق اليوم، إلى جانب الأميركيين. فبدلاً من السعي لبناء عراق ينبذ الطائفية، «أصبح الهمّ الوحيد للمالكي هو السيطرة على الدولة واتباع سياسة (فرق تسد) حيال خصومه، من أجل البقاء في السلطة لأطول وقت ممكن». وبانتهاج هذه الأساليب، تكللت جهوده بالنجاح؛ حيث أُضعف البرلمان، ووُضعت القوات المسلحة تحت سيطرته، وعُطل القضاء، وتعرض المنتقدون للترهيب والإسكات.

والمؤكد أن المسؤولية عن المستنقع الذي يعلق فيه العراق حالياً ينبغي أن تقسم على نحو أوسع لأن رئيس الوزراء ليس المسؤول الوحيد عما آل إليه العراق؛ فالطبقة السياسية العراقية أيضاً تفتقر لحس المسؤولية، وتطغى عليها الطائفية، ويتفشى فيها الفساد، وتفتقر للكفاءة المالية، وصدرها يضيق بالانتقادات، وترفض تقاسم السلطة، ولا تغلّب المصلحة الوطنية، وعنيفة لحد إجرامي.. ما جعل بعض المواطنين العراقيين لا يخفون حنينهم للعهد السابق الذي يقولون إنه، وإن كان دكتاتورياً تداس فيه الحريات وحقوق الإنسان، فإنه على الأقل كان يتوافر فيه للعراقيين الأمن والكرامة والخدمات الأساسية. وفي هذا السياق، كتب العلي يقول: «بينما انشغل السياسيون بصراعهم العنيف والمستمر على السلطة، وضعوا في أسفل سلم أولوياتهم كل شيء آخر تقريباً، بما في ذلك مشاكل طويلة كانت تهدد فعلياً وجود الدولة»، مضيفاً: «ويشمل ذلك الارتفاع الصاروخي للبطالة، وضعف الخدمات العامة (مثل الماء والكهرباء والتعليم)، وإطاراً فاشلاً لحماية حقوق الإنسان كان يفاقم الأخطار الأمنية، والفساد، والكارثة البيئية».

والواقع أن معظم تحليل العلي قيم ومفيد، لكنه ليس جديداً؛ إذ يدعو في الفصل الأخير من كتابه إلى دستور عراقي جديد ينص على سيطرة مدنية أفضل على الجيش، وتنظيم أكثر فعالية للأحزاب السياسية، وتدابير أكثر حزماً وصرامة ضد الفساد، وإصلاح قطاع النفط والغاز، وعلاقة أوضح بين الدولة المركزية والمحافظات العراقية. غير أنه يتوقع ألا تفرز الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها هذا العام تغييراً كبيراً، لكنه يأمل أن يتمكن العراق أخيراً من تغيير المسار بعد الانتخابات البرلمانية وانتخابات المحافظات في 2017-2018. كما يتحدث عن الحاجة إلى «خطاب عراقي جديد»، وطني وليس طائفياً. وهو ما لا يختلف اثنان على أهميته، لكن شتان ما بين القول والفعل!



اضف تعليق
اضف تعليقك
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار الإخبارية علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم:
البريد الالكتروني: اظهار البريد الالكتروني
التفاصيل: